يِقولْ الشَّاعرْ الحِبْر الْفهيمْ -- حَميدانْ الْمُتَّهم باَلعَيارةْ
جِواب يَفهمهْ مِنْ هُوَ ذِهبينْ -- وَشَطرٍ فيِ صُعودهْ وَانحدارهْ
فَكرتْ وَحِرْتْ باَلنَاسْ أَجْمعينْ -- وَمَيَّزتْ الْعَزازْ امنَ الخَبَارةْ
======================================
عاش حميدان الشويعر في الفترة ما بين نهاية القرن الحادي عشر الهجري وبداية الثلث الاخير من القرن الثاني عشر وهو من الدعوم احد فروع قبيلة بني خالد فقد ولد شاعرنافي بلدة القصب أحد بلدان منطقة الوشم واسمه : حمد بن ناصر السياري ...
ترددت أشعاره في جميع ارجاء شبة الجزيرة العربية وخاصه في نجد .. رغم أن هموم المعيشة الشاقه كانت تطارده ليلاً ونهاراً ... الا انه استطاع ان يبرز كالنار على رأس علم فهو شاعراَ كبيراً ومشهوراً وكان شاعر نجد الاول في عصره .. قد برز ميله للسخرية منذ صباه المبكر ... وهذا ما جعل شعره ينفرد في سلاطة اللسان وهجومه المتلاحق على بعض الامراء الاقوياء وعدم رضوحه للتهديد والوعيد .. ومع الفكاهة فقد أمتاز شعره بالحكمة .. ومن أقواله :
يا صبي افتهم مـن عويـد فهيـم ... وفي كـل غبـة مـن الفكـر عايـم
وأعسف القوافي بسبك المعاني ... واصـخـر صعبـهـا بلـيـا شكـايـم
أقـول النصايـح واعـد الفضايـح ... عن اللي فعلهـا ولا أخـاف لايـم
ليست الحكمة والفكاهة هما البارزان بشعره فقد رسم لنا الاحوال السياسية والدينة والاقتصادية والاجتماعية في عصره ... وهاهو يحث على الزهد في الدنيا ويحض على شكر الله وعدم الانسياق وراء مباهج الحياة :
الـدنـيـا روضـــة نـــوّار ... صيّور الريح تطيـر بهـا
إن جاك من الدنيا طرف ... فاشكر مـولاك لموجبهـا
لـيــاك تغـيـرهـا فـسـقــة ... تـغـيـر عـنــك مـعـاذبـهـا
ويقول أيضا :
الدنيـا عامرهـا دامــر ... ما فيها خير يا عربي
لم يكتفي حميدان الشويعر بذكر هذه الابيات .. فقد تظرق الى العلاقة بين الرجل والمرأة ووضح ان لذتها سريعة زائلة بينما عاقبتها وخيمة
أيا عاشـق كـل عـذرا مليحـة .... هنـوف غنـوج بـخـده رقـايـم
نظرهـا كحيـل وقــرن طـويـل ... وخصر نحيل له الردف قايـم
ومزيت ريقه عسـى مـا يفيـد ... واغضبت ربك بهتك المحارم
تفوت اللذاذه وتبقـى الندامـه ... سـريـع تكـشـف أمورعظـايـم
غنوج :كثير الدلال
رقايم :علامات
كان عصر شاعرنا مليئاً بالفتن والحروب والاضطرابات السياسية ولعل شاعرنا اوضح بعض الابيات عن تلك الحوادث التي ظهرت
في عصره :
الـفـتـنـه نـايـمــه دايــــم ... مــار الاشــرار توعيـهـا
يـشــب الفـتـنـه مـقــرود.... وعلقهـا مـن لا يطفيـهـا
فالـي علقـت ثـم اشتبـت ... بالحرب نحاش مشاريها
تلـحـق بـرجـال واجــواد ... دومٍ تـنـصــى قـهـاويـهـا
مار :لكن
يعلقها :يوقدها
مشاريها :من قام بأظهارها للناس
وفي موضع اخر من قصائده قال هذه الابيات :
يــشــب الـفـتـنـه مــقــرود ... نـزعــه شـيـطـان وحـلـقـة
فـالــى اشـتــدت معـالـبـهـا ... قـفـا نـايـر مـثــل السـلـقـه
كسروا عظمة وخذوا ماله ... خـلـوا عيـالـه لـهـم لـعـقـه
وخلـي مقصـاة ابـن درمـه ... مـخـتـلـط دمـــــه بـعــرقــه
مقرود :الشقي
حلقة :الشؤم
معالبها :علابيها : القصبة الممتدة في الجزء الخلفي لرقبة الانسان
ناير :هارب
ومن موضوع الى موضوع أخر ... وهاهو يعود الى ( عقوق الابناء) ويركز في هذه الابيات على كبير السن في بيته مع اولاده موجهاً له نصيحة
شفـت الشايـب عنـد عيـالـه ... وام عـيـالـه مـثــل الـعـزبـي
لـو يطلـب منهـم ردة لقـمـة ... قالوا مخلي وش ذا الصلبي
كــلـــوا فــيـــده وعــــــادوه ... عـقــب التـمـسـك بالسـبـبـي
إحـفـظ مـالـك تـجـي غـالــي ... حـتــى يـلاقـونـك بالـعـتـبـي
أحــــد يــقــال لـــــه لـبــيــه .... واحــد يـقـال لــه وش تـبـي
في أحد أبياته له ... يقول فيها إن بقاء المال لدى كبير السن ضمان لبقاء قيمته في بيته ... حيث يقول
قــال عــود رمـنـه سـنـيـن مـضــت ... زلّ عصر الصبى والمشيب حضره
حضـره بالمجـالـس يتـالـي العـصـا .... زهـد فيـه الـولـد والـوعـد والـمـره
مـن بـقـى مـعـه مــال فـهـو غـالـي .... يكمسون الحصـا بالعصـا عـن ثـره
وأن بقـا مـا معـه شـي فهـو خايـب ... قـيـل عـــود كـبـيـر وفـيــه الـشــره
عود :كبير السن
رمنه : اي ان السنين رمته
ثره : أثره
الشره : الجشع والنهم
==============================
قصة حميدان وابنه مانع مع هلال
كان مانع ابن حميدان الشويعر يعمل في مزارع القصب القديمة التي تقع شمال القصب ( العرعرية ... الحميضية ... الطالعه ... السياري ) وكان يقوم بجرد النخل وتلقيحها وتخليصها وصرامها ثم يعطى أجره على عمله ... وغير الاجر يختار نخله من اطيب النخل وكان من اشهر النخيل في ذلك الوقت السلج والخضري والصقعي والحلوه فأختار مانع نخلة من تلك النخيل ... ولعل هذا الاختيار أدى الى خلاف بينه وبين هلال ( أحد ابناء امراء البلده ) حيث تعدى هلال على مانع وضربه بالعصا على يده التي ادت الى قطع احد الاعصاب ... كانت اشبه ما تكون بضربت السيف ... فعابت اليد ... ولم يستطع مانع رد الاهانة ... ولم تأخذ السلطه حقه في البلدة فلما سمع حميدان ما جرى ... بدأ بالسخريه على ابنه ووصفه بالجبن والخوف وقال هذه الابيات :
مـانـع خـيـال فـــي الـدكــة ... وظفر في راس المقصوره
وان صاح صيـاح مـن بـرا ... تـوايــق هـــو والـغـنـدوره
واليـمـنـى فـيـهــا فـنـجــال ... واليسـرى فيهـا البـربـوره
والــى ظـهـر يـــم الـسـكـة ... تـأخـذ جـوخـتـه الـسـنـوره
بــو تفـتـش ثـوبــه تـلـقـاه ... نجس ثوبـه مـن هرهـوره
الدكة :مكان للجلوس واستقبال الضيوف
ومازال حميدان الشويعر يواصل السخريه والاستفزاز في ولده وأما يده التي عابت أصبحت مشبوهه ... فقال عنها حميدان كأنها مغرفة ... وفي يوم الايام جاءت حملة من البادية الى سوق القصب ... يريدون بعض حاجياتهم سألت إحدى النساء عن مغرفة لشرائها فقال حميدان الشويعر مشيراً الى ابنه هذا الرجل لديه مغرفه ولكنه لن يبيعها بسهوله فأصري عليه واطلبيها منه فلعله يبيعها ... فذهبت المرأة الى مانع وسألته عن المغرفة فسألها عمن ارسلها فأشارت لابيه .. ففهم انه يقصد كفه المعبية وبعد ذلك قرر مانع أخذ الثأر ... فسمع هلال ان مانع يخطط للثأر وأخبر هلال زوجته ان تتفحص كل شي يدخل البيت حتى الاغنام فدخل مانع مع الاغنام بعدما لبس جلد خروف ... وتسلل داخل البيت الى حين ادراك هلال وقتله ...
وكان حميدان يراقب الحدث هو و زوجته وابناءه خارج البلده فقد عرف حميدان ان الثأر تحقق بعدما راى النار اوقدت وبعد فترة أنطفت ... (لان الحكام لا يشعلون النار الا اذا حدث صوت مفزع او اي حادث فأن استمرت النار مشتعلة معنى ذلك ان الاصابه بسيطة اما اذا اشتعلت ثم أنطفأت فالمصيبة هنا كبيره ) قرر حميدان الشويعر الرحيل من البلده هو ابنه خوفاً من القصاص فعند وصوله الى جنوب بلدة القصب قال هذه الابيات متمنياً زوالها تماماً ويتمنى البعد عنها فذهب الى أثيثية .. والتجأ عند أهلها :
الا يا نخـلات لـي علـى جـال عليـم ... حـدايــق غـلــب شـوفـهـن يـــروع
تقلـلـت عـــن دار وربـــع ومـنــزل.... وقبلـتـهـا جـثــو الـتــراب كـســوع
فلا يا عاير القصب الجنوبي ليتني ... اشـوفـك منـحـدر الـسـراب لـمـوع
وقبلتها جثو التراب كسوع :اي قذفتها بالتراب غير مكترث
عاير : زاوية سور بلدة القصب
==============================
عودة حميدان من الزبير الى نجد
حقيقة ً ... لا اعرف ما هو سبب رحيل شاعرنا الى الزبير ... قد يكون لغرض التجارة او يكون لغرض الفقر والجوع الذي احاط بنجد في ذلك الحين وعند خروجه من بلدة الزبير ... متوجهاً الى نجد ... فأول ما استقبله في تلك الديار هو (( الجوع )) ... لذا فقد صوّر الشاعر هذا الجوع برجل يلبس ثوباً قصير الاطراف من قماش ردئ يسمى دسمال ... وعباءة ممزقة لا تستر الظهر .. كأنه جاهزاً لجز العظم مع اللحم .. ويقول في هذه الابيات :
ظهرت من الحزم اللـي بـه ... سيد السـادات مـن العشـرة
حـطـيـت سـنــام بالـيـمـنـى ... ووطيت الرقعي من ظهـره
ولقيت الجـوع أبـو موسـى ... بــان لــه بـيــت بالـحـجـره
عـلـيــه قـطـيـعـة دســمــال ... وبـشـيٍـت منـبـقـر ظــهــره
وحــكـــانـــي وحــاكــيــتــه .... وعطـانـي عـلـم لــه ثـمـره
ما يرخص عندي مضمونه ... اقــولــه بـعـلـمـه وخــبــره
ثم بدأ حميدان الشويعر بذكر مسيرة رحلة ... موضحما جرى له في تلك الرحله .. وجولاته داخل مدن وقرى منطقة سدير ... كما أشتملت القصيدة على هجاء لاهالي البلدان وما ورد فيها يعبر عن رأي الشاعر ولا يعبر عن رأي الاخرين ....
بقايا منزل الشاعر / حميدان الشويعر في مدينة القصب